إن التاريخ هو ساحة المعركة الحالية، إذ تلجأ مخابر الاستعمار الفرنسي للنيل من الإرث الثقافي الجزائري ومحاولة تجريده من عمقه الحضاري، وتقديم الثورة الجزائرية على أساس معارك حربية وفقط، في حين وبالعودة إلى أدبيات الحركة الوطنية التي لم تنطلق كما يزعم مؤرخو الاستعمار – وسرنا نحن على خطاهم – بأن انطلاقتها كانت سنة 1919، غير أن انطلاقها كان مع حمدان بن عثمان خوجة في بدايات الاحتلال، فبالعودة إلى نصوص حزب الشعب وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وما تضمنته من وعاء ثقافي وفكري أكد على التمايز بين الشعب الجزائري والأقلية الاستعمارية الغاصبة وهي أفكار كانت راسخة في أذهان الثوار الجزائريين، الذين استندوا في عملهم المقدس إلى رصيد تاريخي حاول الاستعمار الفرنسي محوه بشتى الطرق.
مرجعية الاحتلال الفرنسي : منذ أن وطأت أقدامها سنة 1830 وفرنسا تبحث عن الشرعية، فجندت كتابها وباحثيها، للتنقيب والكتابة عن الأثار الرومانية والعناية بها وتوظيفها للإقناع بأنها استمرار للاحتلال الروماني في حين غيبت الآثار الإسلامية ولم تشر إليها إلا من أجل ذر الرماد في العيون. واستمر هذا التغييب حتى بعد استرجاع استقلالنا الوطني، فهذا أحمد طالب الإبراهيمي يكتب في مذكراته لما كان وزيرا للإعلام والثقافة في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين بأن الاعتمادات المالية المخصصة للآثار القديمة الرومانية كانت سخية ومعتبرة، بينما شحيحة للآثار الإسلامية، ولازال إلى اليوم في المخيلة الجماعية الإعجاب بكل ما هو روماني وغربي ورسم صورة استعلائية له، بل الأدهى والأمر تحطيم بعض المعالم الأثرية والمادية للمقاومة والثورة كالسجون مثلا، ومراكز التعذيب الاستعمارية التي تعد دليلا قاطعا على بشاعة الاحتلال الفرنسي .
مرجعية الثورة الجزائرية :
أهم مرجع لها هي المقاومات الجزائرية المسلحة (1830-1916): إذ تعتبر الثورة الجزائرية استمرارا لتلك المقاومات، والتي كانت بدايتها مقاومة الأمير عبد القادر، وإن كانت مجمل تلك المقاومات هي الخاسر الأكبر من حيث العدد، لكنها حققت نجاحا في نقل فكرة التمرد على المحتل الفرنسي للأجيال القادمة والتي استلهمت منها بطولات الكفاح ومعنى الحرية التي تفتك ولا تعطى. والسؤال الذي يطرح نفسه ماهي مرجعية تلك المقاومات؟
يتم استنتاج تلك المرجعية من الحقبات التاريخية والأمم المتعاقبة على شمال إفريقيا والجزائر خصوصا – تواجدا، فتحا أو احتلالا[1] لكي نتعرف على الحقبة الزمنية الأكثر تأثيرا على أول مقاومة جزائرية كان بطلها الأمير عبد القادر، هذه الشخصية الفذة التي خصها المفكر الجزائري مالك بن نبي بالإهداء في كتابه “القضايا الكبرى” بقوله:” …إلى الأمير عبد القادر، إلى البطل الأسطوري للملحمة الوطنية الذي يجسده شخصه، في فترة فاجعة من تاريخنا، مصير: وطن وثقافة وحضارة …” [2]
الدخول الخروج | المدة
|
||
التواجد الفينيقي | 814 ق-م 146ق م | 668 سنة
|
|
الاحتلال الروماني | 146 ق م 429 م | 575 سنة
|
|
الاحتلال الوندالي | 431 م 534م | 103 سنوات
|
|
الاحتلال البيزنطي | 534 647 | 113 سنة
|
|
الفتح الإسلامي | 647
|
1830 ولا تمثل هذه السنة خروجا للمسلمين بحكم إعتناق السكان الأصليين للإسلام
|
1183 سنة
|
الاحتلال الفرنسي
|
1830 1962
المقاومات الشعبية إنطلقت باسم الإسلام – الثورة الجزائرية استعملت مصطلحات كالمجاهد المسبل الفدائي الخ ولها مرجعية متمثلة في الأمير عبد القادر. والمقاومات الشعبية المستندة إلى 1183 سنة من الزمن.
|
132 سنة | |
نلاحظ أن أطول فترة هي التي تلت الفتح الإسلامي للمنطقة بدءا من 647 م، وأصبح سكان شمال إفريقيا يدينون بالإسلام واعتنقوه بل وأوصلوه إلى أوربا، مدة الحكم الإسلامي دامت قرابة 12 قرنا، وانتهت باحتلال فرنسا للجزائر محاولة القضاء على دار الإسلام وبعث المسيحية بالمنطقة، وأن يكون مصير هذا البلد خاصة وشمال إفريقيا عموما مثل مصير الأندلس بعد سقوط غرناطة 1492 م….لكن فرنسا الاستعمارية لم تجد الأرض مفروشة بالورود، إذ بعد سيطرتها على العاصمة سنة 1830 ومحاولتها التوغل داخل الأرض الجزائرية، وجدت معارضة شديدة من طرف قبائل منطقة الغرب الجزائري، التي كلفت والد الأمير “الشيخ محي الدين” بالدفاع عن الأرض والعرض ورفع راية الجهاد، ونظرا لكبر سنه تمت مبايعة ابنه “عبد القادر” الذي قبل حمل الأمانة والحفاظ على الأرض الجزائرية المسلمة، وباشر عمله هذا، ليس بصفته شيخا لقبيلة معينة (بنو هاشم) أو مريدا لطريقة محددة (الطريقة القادرية) وإنما فعل ذلك بصفته أميرا لكل الجزائريين، وحاكما شرعيا عليهم، مسؤولا أمام الله دينا، وأمام الرعية قضاء[3].
وكان الأمير عبد القادر يستلهم من الرصيد التاريخي الإسلامي الذي سبق ذكره وستكون إنجازاته خلال 17 سنة، من المقاومة والصمود رصيدا وتراثا، تحسن الثورة الجزائرية إعادة إحيائه وتوظيفه، معتبرة نفسها استمرارا للمقاومات الشعبية التي كان الأمير عبد القادر سباقا لإشعالها. وفي صحافتها ( المقاومة والمجاهد ) الصادرة خلال الثورة، كان يتم التذكير دوما بالمرجعية لهذه الحركة الثورية من خلال صور ومقالات عن نضال الشعب الجزائري وعن الأمير عبد القادر، كما كانت صورة الأمير عبد القادر محفوفة بالأعلام الوطنية بارزة في مكاتب الحكومة المؤقتة بتونس. وخلاصة القول أن مرجعية الثورة الجزائرية تمتد إلى ذلك الزخم الفكري والعسكري الضارب في التاريخ والذي حاول الاستعمار الفرنسي طمسه ولا زال من خلال التشكيك في ثورة عز نظيرها في العالم .
العدد 88 من جريدة المجاهد 30 جانفي 1961
العدد 36 من المجاهد ليوم 6 فيفري 1959.
[1] – أحمد حداد : الأمير عبد القادر في صحافة الثورة الجزائرية ( 1954 -1962) ، المجلة المغاربية للدراسات التاريخية والاجتماعية ، عدد خاص مارس 2012 ، منشورات مخبر الجزائر تاريخ ومجتمع ، جامعة جيلالي اليابس. ص 206
[2] – مالك بن نبي : القضايا الكبرى ، دار الفكر ، 1991، ص 19.
[3] – حميدة عميراوي: أوراق تاريخية ، دار الهدى 2006، ص 26.